الدماغ عضو بالغ الأهمية ولكنه حساس في الوقت نفسه. تنشأ المشكلات العصبية نتيجة اضطرابات في الدماغ أو الجهاز العصبي، مما يؤدي إلى مشاكل عقلية أو جسدية، وذلك اعتمادًا على الجزء المتأثر من الدماغ أو الجهاز العصبي. يبدأ نمو الدماغ منذ وجود الجنين في الرحم، ويستمر في التطور حتى يصل إلى حجمه الناضج خلال فترة الرضاعة والمراهقة. أي خلل يعوق عملية النمو الطبيعية للدماغ يمكن أن يؤدي إلى مشكلات عصبية تبدأ في مرحلة الطفولة وقد تستمر لفترات طويلة إذا لم تُعالج بالشكل المناسب.
تتنوع أسباب وأعراض وآثار المشكلات العصبية، وجميعها تتعلق بالجهاز العصبي، الذي يتحكم في جميع وظائف الجسم، بما في ذلك الحركة والرؤية والسمع. وتختلف الآثار تبعًا للمنطقة المتضررة من الدماغ.
ما هي الاضطرابات العصبية عند الأطفال؟
الاضطرابات العصبية عند الأطفال تؤثر على الدماغ والحبل الشوكي والأعصاب، مما يؤدي إلى مشكلات في النمو، الإدراك، السلوك، الإحساس أو القدرات الجسدية. وقد تكون هذه الاضطرابات ناجمة عن عوامل وراثية، أو التعرض لمؤثرات معينة قبل الولادة، أو العدوى، أو الإصابات، أو مشكلات في التمثيل الغذائي.
الاضطرابات العصبية الشائعة لدى الأطفال
- اضطراب طيف التوحد :
أكثر اضطرابات النمو العصبي شيوعًا، ويظهر في شكل صعوبات في التفاعل الاجتماعي والتواصل والسلوك. تشمل العلامات: صعوبات في التواصل البصري، عدم الاستجابة لمناداته بالاسم، تأخر في الكلام أو أنماط غير معتادة في الحديث مثل تكرار الكلمات، حركات متكررة مثل رفرفة اليدين أو ترتيب الألعاب، قلة الرغبة في التشارك، أو استخدام إشارات غير مناسبة للتواصل غير اللفظي مثل عدم الإشارة لطلب المساعدة.
- اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه:
اضطراب عصبي نمائي يتسم بتشتت الانتباه، وفرط النشاط، والاندفاع، وقد تظهر هذه الأعراض منفردة أو مجتمعة. يؤثر اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه بشكل كبير على التحصيل الدراسي والعلاقات والثقة بالنفس. يُعتقد أنه ناتج عن نشاط غير طبيعي في الدماغ، حيث يقل الأداء الوظيفي أثناء التركيز، مما يؤدي إلى التشتت وصعوبة التحكم في الاستجابات. كما يمكن أن يسبب تحميلًا عاطفيًا مفرطًا يعيق التركيز والذاكرة.
- الشلل الدماغي:
مجموعة من الاضطرابات الحركية ناتجة عن تلف في الدماغ أثناء نمو الجنين أو أثناء الولادة، تؤثر على الحركة والتوازن. قد يحدث نتيجة عوامل وراثية، أو الولادة المبكرة وما يصاحبها من نزيف داخل الجمجمة، أو نقص الأكسجين في المخ أثناء الولادة المطوّلة.
- الصرع:
اضطراب عصبي يتمثل في نشاط غير طبيعي للدماغ، يشبه العاصفة الكهربائية، يؤدي إلى نوبات متكررة. يمكن أن يزول في بعض الحالات مع التقدم في العمر. تختلف أعراض النوبات حسب المنطقة المصابة في الدماغ: إذا كانت في المنطقة الحركية، تحدث حركات فجائية، إما لكامل الجسم أو لأجزاء منه. أما إذا كانت في المناطق الحسية، قد تحدث أعراض مثل وخز، أو هلوسات بصرية أو سمعية مؤقتة. وفي حالات أخرى، قد تؤثر على الأعضاء الداخلية، فتسبب أعراضًا مثل التقيؤ المفاجئ، التعرق الشديد، أو فقدان التحكم في الإخراج. كما يمكن أن تسبب تغييرات في الوعي، فيصبح الطفل غير مستجيب لفترات قصيرة. وقد يكون سبب الصرع وراثيًا أو نتيجة إصابة سابقة في الدماغ.
- متلازمة داون:
اضطراب وراثي ناتج عن وجود نسخة إضافية من الكروموسوم 21. يُنصح بإجراء فحوصات أثناء الحمل للكشف عنها. تتسبب المتلازمة في تأخر إدراكي وخصائص جسدية مميزة مثل الوجه المسطح، الرأس الصغير، اللسان البارز، الرقبة القصيرة، العيون المائلة لأعلى، الشكل غير الطبيعي للأذنين وضعف العضلات. قد يعاني الأطفال أيضًا من عيوب قلبية، ومشاكل في الجهاز الهضمي مثل الإمساك المزمن، بالإضافة إلى مشكلات في الرؤية والسمع، وزيادة خطر الإصابة بمرض الزهايمر لاحقًا في الحياة.
- السنسنة المشقوقة :
عيب خلقي يحدث عندما لا يتكون العمود الفقري والحبل الشوكي بشكل صحيح أثناء مرحلة تشكيل الجنين بداخل الرحم، مما يسبب فجوة في العمود الفقري. السبب الدقيق غير معروف، لكن نقص حمض الفوليك في بداية الحمل يعتبر عامل خطر رئيسي. ورغم إمكانية إجراء جراحة لإغلاق الفتحة، إلا أن الجهاز العصبي غالبًا يكون قد تضرر بالفعل، مما قد يسبب:
- ضعف أو شلل في الساقين
- فقدان السيطرة على التبول أو التبرز
- فقدان الإحساس في الساقين مما يزيد من خطر الإصابات دون إدراك
كثير من الأطفال المصابين بالسنسنة المشقوقة يعانون أيضًا من الاستسقاء الدماغي (تراكم السوائل في الدماغ)، مما قد يؤدي إلى تلف إضافي في الدماغ. وعلى الرغم من أن معظمهم يتمتعون بذكاء طبيعي، فإن بعضهم قد يعاني من صعوبات في التعلم.
- الضمور العضلي :
مجموعة من الاضطرابات الوراثية تسبب ضعفًا تدريجيًا في العضلات وتلفها. في هذه الحالات، لا يستطيع الجسم إنتاج البروتينات اللازمة لبناء العضلات السليمة، فتتلف الخلايا العضلية وتُستبدل بخلايا دهنية. تختلف الأعراض حسب النوع، وتشمل:
- صعوبة في النهوض من وضع الجلوس أو الاستلقاء
- السقوط المتكرر
- صعوبة في الجري أو القفز
- صعوبة في صعود السلالم
- ضعف أو ألم أو تيبّس في العضلات
- مشية غير متزنة أو مترنحة
- صعوبة في التنفس
- صعوبة في رفع مقدمة القدم (تدلّي القدم)
- المشي على أصابع القدم أو مقدمتها
- تضخم عضلات الساقين
- تأخر النمو
- صعوبات التعلم
- تقوس العمود الفقري (الجنف)
أسباب الاضطرابات العصبية لدى الأطفال
- العوامل الوراثية: يمكن أن تؤدي الطفرات الجينية الموروثة إلى العديد من الاضطرابات العصبية، مثل متلازمة داون.
- أحداث ما قبل الولادة:
- نقص تغذية الأم: قد يؤدي نقص التغذية أو نقص العناصر الأساسية مثل حمض الفوليك في أول الحمل إلى اضطراب نمو الدماغ والجهاز العصبي للجنين.
- نقص الأكسجين الجنيني (الاختناق الجنيني): عدم وصول الأكسجين للجنين، نتيجة مشاكل مثل قصور المشيمة، قد يؤدي إلى تلف في نمو الدماغ.
- الحالات الصحية للأم: أمراض مثل السكري، ارتفاع ضغط الدم واضطرابات الغدة الدرقية، قد تزيد من خطر الإصابة بالمشكلات العصبية لدى الطفل إذا لم تتم إدارتها جيدًا أثناء الحمل.
- استخدام الأدوية: بعض الأدوية (مثل أدوية الصرع وبعض المضادات الحيوية وغيرها) التي تُستخدم أثناء الحمل يمكن أن تسبب مشكلات في النمو أو اضطرابات عصبية للجنين.
- مضاعفات الولادة: مشاكل مثل نقص الأكسجين أثناء الولادة، أو الإصابات الناتجة عن الولادة، أو مشاكل الحبل السري، يمكن أن تؤدي إلى تلف عصبي للطفل.
- العدوى: العدوى أثناء الحمل (مثل الحصبة الألمانية أو فيروس CMV) أو أثناء الولادة (سواء عدوى بكتيرية أو فيروسية) يمكن أن تلحق ضررًا مباشرًا بدماغ الطفل أثناء نموه أو بعد ولادته.
- أمراض المناعة الذاتية: في بعض الحالات، يمكن أن تؤثر اضطرابات المناعة الذاتية، حيث يهاجم الجهاز المناعي أنسجة الجسم، على الجهاز العصبي وتسبب اضطرابات عصبية.
- المشكلات الأيضية أو الغذائية: اضطرابات الأيض مثل البول الكيتوني، أو الاختلالات الكيميائية الحيوية أخرى، قد تؤثر على وظائف الدماغ وتؤدي إلى تأخر النمو أو إعاقات عقلية.
- السموم البيئية: التعرض لمواد ضارة مثل الرصاص، الزئبق، المبيدات الحشرية أو تلوث الهواء أثناء الحمل يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بمشكلات عصبية لدى الطفل.
أعراض الاضطرابات العصبية عند الأطفال
تتنوع أعراض الاضطرابات العصبية لدى الأطفال بشكل كبير، ولكن من أبرز العلامات:
- تأخر النمو (مثل تأخر النطق أو المهارات الحركية)
- المشاكل الحركية مثل الضعف، الارتجاف أو فقر التنسيق بين العضلات لأداء الحركات المطلوبة
- نوبات الصرع
- الإعاقات الذهنية
- صعوبات النطق واللغة
- مشكلات معالجة الحواس (مثل الحساسية المفرطة أو الضعيفة تجاه المؤثرات الحسية)
- الصعوبات السلوكية والتعليمية
- المشكلات الإدراكية (مثل ضعف الذاكرة أو تشتت الانتباه)
- عُسر القراءة : صعوبة تعلم القراءة ومعالجة اللغة
تشخيص الاضطرابات العصبية
يشمل التشخيص ما يلي:
- جمع التاريخ الطبي المفصل
- تقييم مراحل النمو والتطور
- إجراء فحص عصبي
- استخدام فحوصات تشخيصية مثل: التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، الأشعة المقطعية (CT)، تخطيط الدماغ الكهربائي (EEG)، أو التحاليل الجينية
علاج الاضطرابات العصبية
العلاج يُفصَّل حسب حالة كل طفل، وقد يشمل:
- الأدوية لإدارة الأعراض مثل النوبات أو التشنج
- العلاج التأهيلي (العلاج الطبيعي، الوظيفي، علاج النطق والسلوك) لدعم النمو والتطور
- الجراحة في بعض الحالات (مثل الصرع أو التشوهات الدماغية)
- الدعم مثل برامج التعليم الخاص والأجهزة المساعدة
يهدف العلاج إلى السيطرة على الأعراض، وتحسين الوظائف، وتعزيز جودة الحياة للطفل وأسرته.