عندما يتعلّق الأمر بالأمراض المنقولة جنسيًا، غالبًا ما يتبادر إلى الذهن الكلاميديا أو السيلان أو فيروس نقص المناعة البشرية (HIV). لكن هناك طفيليًا شائعًا آخر، غالبًا ما يتم تجاهله، يصيب الملايين حول العالم وهو داء المشعرات (Trichomoniasis).
يُسببه طفيلي يُعرف باسم Trichomonas vaginalis، ويمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية متعددة، ومع ذلك لا يدرك الكثيرون أنهم مصابون به. 

ما يجعل داء المشعرات خادعًا هو أن أعراضه قد تُشبه التهابات أخرى مثل التهاب المهبل البكتيري، أو قد لا تظهر أي أعراض إطلاقًا. ومن دون تشخيص وعلاج مناسبين، يمكن أن يؤدي إلى مشكلات في الصحة الإنجابية ويزيد من خطر انتقال أمراض منقولة جنسيًا أخرى، مثل فيروس نقص المناعة البشري. 

في هذا المقال، سنشرح لك كل ما تحتاج لمعرفته عن داء المشعرات، من طرق العدوى والأعراض، إلى خيارات الفحص والعلاج الفعالة.

ما هو داء المشعرات؟

داء المشعرات هو عدوى تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي، يُسببها طفيلي أحادي الخلية يُدعى Trichomonas vaginalis.
ويُعتبر من أكثر الأمراض المنقولة جنسيًا غير الفيروسية شيوعًا في العالم، حيث يُقدّر عدد المصابين به بنحو 156 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 15 و49 عامًا سنويًا.
ورغم أنه يصيب البالغين غالبًا، فإنه يمكن أن يؤثر على حديثي الولادة ويجعل الجسم أكثر عرضة للعدوى بأمراض أخرى.

الطفيلي المسؤول: Trichomonas vaginalis

هو طفيلي مجهري يتحرك بفضل أهدابه ويعيش في البيئات الرطبة مثل الأعضاء التناسلية والإحليل.
يتغذى على خلايا الجلد السطحية وسوائل الجسم، مما يؤدي إلى تهيج وأعراض مزعجة.

كيف تحدث العدوى؟

يحدث انتقال العدوى بالدرجة الأولى من خلال الاتصال الجنسي، وخاصةً الجماع المهبلي.
لكن العدوى قد تنتقل أيضًا عبر ملامسة الأعضاء التناسلية بشكل مباشر، وفي حالات نادرة عبر الجنس الفموي أو الشرجي.
كما يمكن للمرأة الحامل أن تنقل العدوى لطفلها أثناء الولادة، مما قد يسبب مضاعفات للمواليد.

أعراض داء المشعرات:

متى تظهر الأعراض بعد الإصابة؟

عادةً ما تبدأ الأعراض في الظهور خلال 5 إلى 28 يومًا بعد التعرض للعدوى.

ما الذي يجب الانتباه له؟

  1. الحكة أو التهيّج التناسلي
    من أبرز العلامات، خاصةً عند النساء، هي الحكة أو الحرقان أو التهيّج المستمر في منطقة الفرج أو العضو الذكري. وقد يزداد الشعور بعدم الراحة أثناء التبول أو الجماع. 
  2. إفرازات رغوية كريهة الرائحة
    عند النساء، غالبًا ما تظهر إفرازات صفراء مائلة إلى الخُضرة، رغوية وذات رائحة كريهة تشبه “رائحة السمك”. وتُعد هذه من أبرز أعراض داء المشعرات. 
  3. حرقة أثناء التبول
    الشعور بالألم أو الحرقان أثناء التبول شائع لدى الجنسين. ورغم أنه قد يُشبه التهاب المسالك البولية، فإن هذا العرض لدى الأشخاص النشطين جنسيًا يستدعي فحصًا لاحتمالية الإصابة بداء المشعرات. 
  4. الرجال قد لا يلاحظون شيئًا
    ما بين 70% إلى 85% من الرجال المصابين لا تظهر عليهم أعراض، رغم أنهم قد ينقلون العدوى.
    وقد يشعر البعض فقط بتهيج بسيط في الإحليل أو يُلاحظون إفرازات خفيفة من العضو الذكري.
  5. فترة الحضانة
    تظهر الأعراض في أغلب الأحيان خلال الأسبوع الثاني بعد التعرض، أي بين 5 و28 يومًا من العدوى.

لماذا لا يُشخَّص داء المشعرات كما ينبغي؟

العديد من الحالات تمر دون ملاحظة لأسباب عدّة:

  • ارتفاع معدل الحالات دون أعراض: حوالي 80% من الإصابات لا تظهر عليها علامات واضحة.
  • ضعف دقة بعض الفحوصات الأساسية: اختبار المخصص للكشف عن داء المشعرات هو اختبار سريع، لكن دقته لا تتجاوز 50–70%.
  • محدودية بروتوكولات الفحص: الفحص الروتيني لا يُجرى لجميع الفئات بشكل منتظم. 

تؤدي هذه العوامل إلى إغفال التشخيص، واستمرار انتقال العدوى، وازدياد المخاطر الصحية غير المعالجة.

فحوصات داء المشعرات:

ما هو أفضل فحص للكشف عن داء المشعرات؟

اختبار الحمض النووي هو الأكثر دقة وموثوقية.
أما إذا كنت بحاجة لنتائج سريعة، فإن اختبار المستضدات فعّال أيضًا.

اختبار الحمض النووي

  • يُعد المعيار الذهبي حاليًا، حيث يكشف عن الحمض النووي (DNA أو RNA) للطفيلي.
  • يمكن إجراؤه باستخدام عينات بول أو مسحة مهبليّة أو إحليليّة.
  • دقته عالية جدًا، غالبًا ما تتجاوز 95%.

اختبار (Wet Mount)

  • تُوضع عينة من سوائل الأعضاء التناسلية (مهبلية أو إحليلية) على شريحة مع محلول ملحي وتُفحص تحت المجهر.
  • وجود الطفيليات المتحركة الحية يؤكد الإصابة.
  • تنخفض دقته كثيرًا إذا لم تُفحص العينة فورًا.
  • تتراوح دقته بين 44% و68%.

اختبار الكشف عن المستضدات (Antigen Detection)

  • يكتشف بسرعة البروتينات الطفيلية باستخدام شريط اختبار مناعي.
  • تظهر النتائج خلال 10–15 دقيقة.
  • دقته أعلى من المجهر الرطب) Wet Mount) (82–95%) لكنها أقل قليلاً من اختبار الحمض النووي.

اختبار المزرعة (Culture Test)

  • يُزرع الطفيلي في وسط نمو خاص.
  • يستغرق حتى 7 أيام.
  • دقته تتراوح بين 44% و75%.
  • يُستخدم حاليًا لتأكيد النتائج أو في الأبحاث فقط.

فحوصات منزلية للكشف عن داء المشعرات:

أصبحت أدوات الفحص المنزلي وسيلة مريحة للكشف المبكر:

  • تحتوي على كوب لجمع البول (للجنسين) أو مسحة مهبلية (للنساء).
  • اتبع التعليمات، ثم أرسل العينة إلى المختبر.
  • تصلك النتائج خلال عدة أيام—بشكل سري ومريح.

علاج داء المشعرات والشفاء منه:

هل يمكن الشفاء من العدوى؟

نعم، يُعتبر العلاج بالمضادات الحيوية فعالًا جدًا، ويجب أن يشمل الشريك الجنسي أيضًا.
الدواء الأكثر استخدامًا هو ميترونيدازول.

ميترونيدازول أو تينيدازول

  • تُستخدم جرعة واحدة من ميترونيدازول أو تينيدازول تحت إشراف طبي.
  • تُعالج أكثر من 95% من الحالات.
  • في حال فشل العلاج، يُنصح بدورة علاجية مدتها 7 أيام—خصوصًا للمرضى المصابين بفيروس نقص المناعة البشري HIV.

علاج الشريك الجنسي

لتجنّب تكرار العدوى، يجب علاج جميع الشركاء الجنسيين حتى إذا لم تظهر عليهم أي أعراض.
يُفضل الامتناع عن ممارسة الجنس حتى مرور 7 أيام على إتمام العلاج بالكامل.

خطر الإصابة المتكررة:

هل يمكن أن يُصاب الرجال بداء المشعرات مرة أخرى؟

نعم—يمكن أن يُصاب الرجال بالعدوى مجددًا إذا مارسوا الجنس مع شركاء لم يتلقوا العلاج.
تحدث الإصابة المتكررة لدى حوالي 20% من الأشخاص خلال ثلاثة أشهر من العلاج، مما يُبرز أهمية الفحص الدوري وممارسة الجنس الآمن.

مضاعفات العدوى غير المعالجة:

إذا تُرك داء المشعرات دون علاج، فقد يؤدي إلى:

  • مرض التهاب الحوض (PID) وزيادة خطر العقم لدى النساء
  • الولادة المبكرة أو انخفاض وزن المولود
  • زيادة خطر الإصابة أو نقل فيروس نقص المناعة البشري HIV
  • لدى الرجال: التهابات في الغدد التناسلية مثل التهاب البروستاتا أو البربخ، ما قد يؤثر على الخصوبة
  • التهابات مزمنة في الجهاز التناسلي

استراتيجيات الوقاية:

استخدام الواقيات الذكرية أو الأنثوية:

الاستخدام المنتظم يقلل خطر انتقال العدوى بشكل كبير.

ممارسات جنسية آمنة:

تقليل عدد الشركاء، والالتزام بعلاقة أحادية متبادلة، وإجراء فحوصات دورية للأمراض المنقولة جنسيًا يقلل من خطر الإصابة وإعادة العدوى.

الفحص الدوري:

يُنصح النساء المصابات بأعراض التهاب المهبل، أو المعرضات للخطر (مثل من لديهن شركاء متعددون، أو تاريخ سابق للأمراض المنقولة، أو من لديهم فحوصات إيجابية لفيروس نقص المناعة البشري  HIV)، بإجراء فحوصات منتظمة.

داء المشعرات مقابل التهاب المهبل البكتيري: ما الفرق؟

 دداء المشعرات التهاب المهبل البكتيري (BV) 
السبب عدوى طفيلية بـ Trichomonas vaginalis خلل في التوازن البكتيري (غالبًا زيادة بكتيريا Gardnerella vaginalis
نوع العدوى مرض منقول جنسيًا لا يُصنّف كمرض جنسي (لكنه أكثر شيوعًا بين النشطات جنسيًا) 
طرق العدوى ينتقل عبر الجنس المهبلي، الشرجي، أو الفموي لا ينتقل مباشرةً عبر الجنس، لكنه مرتبط به 
الأعراض حكة تناسلية، إفرازات صفراء/خضراء رغوية، رائحة كريهة، حرقة بالتبول إفرازات رمادية/بيضاء رقيقة، رائحة سمك قوية، تهيج خفيف أو دون أعراض 
الفئة المتأثرة الرجال والنساء (أعراض أكثر لدى النساء) النساء فقط تقريبًا 
الحالات بدون أعراض شائعة جدًا، خاصةً عند الرجال أيضًا شائعة، خاصةً في الحالات الخفيفة 
طرق التشخيص فحص الحمض النووي، المجهر الرطب، فحص المستضدات، الزرع مسحة مهبلية، فحص درجة الحموضة (pH)، خلايا الدليل، اختبار الأمينات 
الحكة / التهيج شائعة نادرة 
حرقة التبول شائعة أحيانًا 
ألم أثناء الجماع أحيانًا نادرًا 
المخاطر عند الإهمال عقم، التهاب الحوض، زيادة خطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري، مضاعفات الحمل زيادة خطر الإصابة بعدوى أخرى، ولادة مبكرة، إجهاض 
هل يحتاج الشريك للعلاج؟ نعم لا غالبًا 
هل يمكن أن تحدث العدوتان معًا؟ نعم، العدوى المزدوجة شائعة نعم، غالبًا مع داء المشعرات أو أمراض أخرى 

الخلاصة:

داء المشعرات مشكلة صحية عامة صامتة لكنها واسعة الانتشار، وتتطلب الانتباه.
رغم أن الأعراض قد تكون خفيفة أو غائبة، إلا أن الحكة التناسلية، الإفرازات الرغوية، والحرقة أثناء التبول تُعد إشارات تحذيرية مهمة. 

بفضل فحوصات دقيقة مثل اختبار الحمض النووي  والاختبارات السريعة للمستضدات، يمكن الكشف المبكر عن العدوى ومعالجتها، وهذا مهم في ظل ارتفاع حالات الإصابة دون أعراض. 

العلاج سهل وفعّال باستخدام الميترونيدازول، لكن يجب أن يشمل جميع الشركاء، مع الامتناع عن الجماع حتى الشفاء الكامل.
الوقاية تبدأ من الاستخدام الصحيح للواقيات، والفحوصات المنتظمة، والتواصل الصادق مع الشريك. بالوعي، والفحص المبكر، والعلاج الصحيح—يمكننا السيطرة على هذا المرض الشائع والمُهمَل.
إذا كنت تعاني من أعراض أو أقمت علاقات جديدة أو متعددة، لا تتردد، واهتم بصحتك الجنسية.

مشاركه فى:

كتب بواسطة
د.رهف وجدي

كاتب محتوى طبي

الدكتورة رهف وجدي هي أخصائية أشعة نووية مصرية ومنشئة محتوى طبي تدمج خبرتها السريرية مع الإبداع الرقمي. تتمتع بخبرة تزيد عن خمس سنوات في كتابة المحتوى الطبي باللغتين العربية والإنجليزية، وهي مكرسة لتبسيط المعلومات الطبية المعقدة وجعلها في متناول جمهور...

تمت مراجعته طبيا من قبل
د. دانيا أبوشويرب

استشاري طب اسرة

د/ دانيا أبوشويرب هي استشاري طب الأسرة بمستشفى ريم، لديها خبرة تتجاوز 15 عاماً من العمل مع حالات الاضطرابات العقلية، مثل: القلق، الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، بالإضافة إلى المشاكل الجلدية والأمراض القلبية مثل مرض الضغط العالي، ارتفاع نسبة الدهون...

تواصل معنا

الموقع