مايو 21, 2025
اضطراب طيف التوحد ليس مرضًا، بل هو اضطراب عصبي نمائي يؤثر على إمكانيات الشخص في التواصل الاجتماعي، النطق واللغة، وغالبًا ما يظهر عند الأطفال، لكن قد يتم تشخيصه في أي عمر. لا يوجد سبب محدد له، كما أن الأعراض تختلف من طفل لآخر. يتفاعل الأشخاص المصابون بالتوحد مع بيئتهم الاجتماعية بطريقة خاصة وغير نمطية. وفي الوقت نفسه، قد يتميزون في مجالات معينة. على سبيل المثال، قد يمتلكون مهارات استثنائية في تعلم التفاصيل، قد يتمتعون بذاكرة طويلة المدى قوية وانتباه دقيق للتعلم البصري والسمعي.
بمعنى آخر هو اختلاف وليس مرضًا، كما عرّفه الطبيب النفسي النمساوي الأمريكي الدكتور ليو كانر، المعروف بوصفه الرائد للتوحد وملاحظاته حوله. وقد كتب أول مقال ناقش هذا الاضطراب تحت عنوان “اضطرابات التماس العاطفي التوحدية”، مُعتبِرًا إياه اضطرابًا عاطفيًا يؤثر في الأفراد، وليس مرضًا يصيب المرضى.
وقد تم الاعتراف باضطراب طيف التوحد كطيف وليس كمرض بسبب عدم وجود أسباب محددة أو أعراض موحدة يعاني منها جميع الأطفال. وبالتالي، لا يوجد علاج واحد يناسب الجميع. بل يتم اتباع نهج علاجي متعدد التخصصات، حيث يُساعد الإرشاد والعلاج الفردي في تمكين الأطفال من التفاعل بشكل أفضل مع بيئاتهم وتطوير مهارات التواصل لديهم.
تم اكتشاف أنواع التوحد بالتدريج مع مرور الوقت، إذ كان يُعتقد في البداية أنها حالات منفصلة، لكنها تُعرف الآن جميعها ضمن اضطرابات طيف التوحد .
أول من استخدم مصطلح “التوحد” كان الطبيب النفسي ليو كانر، حيث لاحظ أن هناك أنماطًا متشابهة لدى عشرة أطفال، تمثلت في تأخر النطق، ضعف التواصل غير اللفظي، الحساسية المفرطة تجاه اي تغيير في الروتين اليومي لهؤلاء الأطفال، صعوبات في التفاعل مع الآخرين، وتعثر في فهم الإشارات الاجتماعية.
قام الطبيب النمساوي هانز أسبرجر بتوثيق ملاحظاته حول بعض الأطفال الذين يعانون من ضعف في المهارات الاجتماعية، التزام صارم بالروتين واهتمامات محدودة جدًا. وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن الأطفال المصابين بمتلازمة أسبرجر يمتلكون مهارات استثنائية، ذاكرة قوية وذكاءً عاليًا. وتتميز هذه المتلازمة عن باقي فئات التوحد بعدم وجود صعوبات لغوية، وعادةً ما يكون مستوى الذكاء متوسطًا أو عاليًا. وتُستخدم هذه التسمية غالبًا لوصف الأشخاص ذوي المهارات اللغوية المتقدمة ولكن الذين لا يزالون يواجهون صعوبات في التواصل والتفاعل الاجتماعي، خصوصًا الأطفال دون سن الثلاث سنوات.
ينمو الأطفال المصابون بهذا الاضطراب نموًا طبيعيًا لمدة عامين على الأقل، ثم يفقدون فجأة المهارات الاجتماعية والتواصلية والحركية التي اكتسبوها سابقًا.
يُطلق هذا التشخيص على الأطفال الذين يعانون من تأخر في المهارات الاجتماعية والتواصلية ولكن لا تنطبق عليهم معايير الأنواع الأخرى من اضطرابات طيف التوحد.
تختلف الأعراض من شخص لآخر، لكن بعض العلامات والأعراض الشائعة تشمل:
وهذه الاضطرابات قد تعيق الأداء اليومي سواء في المدرسة أو العمل أو في الحياة العامة.
لا يوجد سبب محدد لاضطراب طيف التوحد، بل هناك عدة عوامل قد تسهم في الإصابة به، وتشمل تلك العوامل: عوامل وراثية، عوامل بيئية، الحرمان العاطفي و ضعف التفاعل الاجتماعي، خصوصًا من جهة الأم.
قد تكون الأمراض الوراثية أو الطفرات الجينية لدى بعض الأطفال سببًا في الإصابة بالتوحد. فقد تتضمن هذه الطفرات الجينية الجينات التي تنظم نمو الدماغ، أو تعيق التواصل بين خلايا الدماغ، فتؤثر في شدة الأعراض السريرية.
قد تؤدي بعض العوامل البيئية، مثل حدوث مضاعفات أثناء الحمل، تناول أدوية معينة أو التعرض لبعض السموم إلى الإصابة باضطراب طيف التوحد.
العلاقة العاطفية بين الطفل والأم، خصوصًا في السنة الأولى من العمر، قد تكون عاملاً في الإصابة بالتوحد. فعدم القدرة على بناء علاقة عاطفية فعالة أو عند التعرض لحرمان عاطفي في الطفولة المبكرة يمكن أن يؤدي إلى ظهور أعراض مرتبطة بالتوحد.
يمكن تشخيص اضطراب طيف التوحد لدى أفراد من جميع الجنسيات والأعراق، إلا أن هناك بعض العوامل التي قد تزيد من خطر الإصابة به، ومنها:
يتضمن تشخيص اضطراب طيف التوحد عدة إجراءات تشمل التقييم السريري، الفحوصات التفصيلية والملاحظة السلوكية، وتتضمن خطوات التشخيص ما يلي:
الخطوة الأولى في تشخيص التوحد هي التقييم السريري، والذي يتضمن أخذ تاريخ مفصل يشمل التاريخ الطبي والاجتماعي وتاريخ الولادة للمريض.
أثناء الفحوصات الدورية، يُجرى فحص عام للنمو لاكتشاف أعراض التوحد. إذا ظهرت علامات تشير إلى وجود التوحد، يُوصى بإجراء تقييم أكثر تخصصًا من قبل مختصين مثل أطباء الأطفال المتخصصين في النمو، أطباء النفس، الأطباء النفسيين للأطفال، أخصائيي علم النفس أو أخصائيي النطق واللغة لتقييم تطور الطفل بشكل مفصل.
يتطلب تشخيص التوحد لدى البالغين أن يقوم المختص بإجراء سلسلة من الملاحظات المباشرة، كما يأخذ بعين الاعتبار الأعراض التي يُفصح عنها المريض، بالإضافة إلى التاريخ المرضي من المشكلات المتعلقة بالتواصل الاجتماعي والسلوك منذ الطفولة.
يتم تقييم الأطفال بناءً على عدة عوامل من أجل تكوين صورة شاملة عن حالتهم، ومن أهم معايير التقييم ما يلي:
لا يوجد نهج واحد محدد لعلاج اضطراب طيف التوحد. يشمل العلاج جهودًا متعددة وتعاونًا بين فريق من المتخصصين، مثل أطباء أعصاب الأطفال، معالجي النطق، المعالجين المهنيين ومعالجي تحليل السلوك التطبيقي، بالإضافة إلى تنسيق الجهود بين الأسرة، مقدمي الرعاية والمدرسة، لإدارة السلوك التوحدي.
الهدف الرئيسي من العلاج هو مساعدة الطفل على تطوير مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي، وتمكينه من التكيف مع بيئته بطريقة فعالة ومتبادلة.
على الرغم من عدم وجود طريقة مؤكدة للوقاية من اضطراب طيف التوحد، إلا أن هناك بعض الوسائل التي يمكن أن تقلل من خطر إصابة الطفل به. كما أن الاكتشاف المبكر والعلاج الفعّال يساعدان في إدارة الحالة بشكل أفضل.
خلال فترة الحمل، يمكن للأم زيادة فرص إنجاب طفل سليم من خلال بعض التغييرات في نمط الحياة:
وجود بيئة داعمة عاطفيًا ومحفزة خلال سنوات الطفولة المبكرة يُعد عاملًا أساسيًا في تطور الطفل.
التقدّم في هذا المجال يحتاج وقتًا. قدم الدعم والمديح عند كل خطوة صغيرة يحرزها الطفل.
فهم التوحد لا يقتصر فقط على التعرف على الأعراض، بل يتعداه إلى رؤية الشخص ككل. ورغم أن المسار قد يكون معقدًا ومختلفًا من فرد لآخر، فإن الدعم المناسب، التدخل المبكر، وتوفير بيئة داعمة يمكن أن تمكّن الأطفال المصابين بالتوحد من الازدهار بطريقتهم الخاصة والمميزة. الأمر لا يتعلق بتغييرهم، بل بالوصول إليهم حيث كانوا.